الأحد، 17 فبراير 2013

الثورة المضادة وصعود الفاشية القومية والدينية.. مقاربة تاريخية




منطق التاريخ ان ياتمر بالتغير والحركة، في صراع مستمر بين النقائض، تتحدان على قاعدة الواقع المادي، من موقع الاختلاف في شروط وجودهما التاريخية، لا من موقع التماثل، تهيئان الظروف بذلك في وحدة صراعهما المستمر في المجتمع لنفي القديم ومولد الجديد. ومع تعاقب الأزمات الاقتصادية، تتراكم الظروف وتسرّع مولد شرارة الانتفاضة والهبّة الشعبية، التي تنتكس هي الاخرى وتعود للتوهج على نحو لولبي، الى أن تفرز قيادة منظمة قادرة على حمل تطلعات الفئات ذات المصلحة المباشرة في التغيير.
تاريخ الراسمالية حافل بالازمات الدّورية المتعاقبة، نتيجة لجوهر الاستغلال القائم في هذا النظام الناجم عن احتكار وسائل الانتاج بأيدي طغمة احتكارية محدودة، تحوّل طاقة العمل البشرية الى بضائع ونقود، يراكم بها الرأسماليون أرباحهم على حساب استثمار قوة عمل ملايين العمال والكادحين على اختلاف تدرجاتهم وأماكن عملهم، في قطاعات صناعية كانت أم خدمية.
ومع كل أزمة تعصف بالرأسمالية، تُهَيَّأُ تربة أكثر خصوبة لثورات، وتلقي مزيدا من المهمات على عاتق العامل الذاتي للتغيير، الحزب الثوري، وفي المقابل تسعى دائما لاحتواء تناقضاتها المستمرة وتفريغها والحيلولة دون تراكمها،  ولاعادة انتاج نفسها بما يحفظ الطبقة المسيطرة ويؤبد من سلطتها، ويحصّنها من التفكيك والتدمير. ولا ضير من الترويج لأكثر الافكار تطرفا ورجعية في سبيل ذلك، بما يمنع من تبلور النقيض الطبقي وذراعه النقابي والحزبي المنظم.

من هنا اقترن مفهوم الفاشية ببناء فوقي (فكري) لحكم طبقة مسيطرة، تتسلّح الفاشية دوما بخطاب عاطفي يستثير النزعات العصبوية، طائفية كانت أم غرقية، لتكريس انقسام عمودي في المجتمع، يحول دون غرس الوعي الطبقي في صفوف الفئات الشعبية الكادحة والمفقرة، ويفرّغ الصراع من تناقضه وشروط وجوده، من حقيقة كونه مادي بالأساس ناجم عن التناقض الفعلي بين قوّة العمل والملكية الخاصة لوسائل الانتاج، بين مُستَثمَر ومُستَثمَر، ويستعيض عنه بتزييف طبيعة الصراع، وتصويره بصراع قائم في الفكر المجرّد، في الفكرة الأزلية التي تمجّد العرق المصطفى بين نظيره من الاعراق، أو في الدّين الأصح الذي ينير لأتباعه السبيل للخلاص الأزلي، في الغاء تام للقوانين الموضوعية التي تحكم حركة التاريخ وتدفع بمجتمعاته نحو التغيير والتطور.

في ألمانيا، وبعد الهزيمة الساحقة التي منيت بها جيوش الامبراطورية ابان الحرب العالمية الأولى، من قوى الاستعمار القديم (بريطانيا وفرنسا) الطامحة لاقتسام كعكة مستعمرات الامبراطوريات الأخذة في الاضمحلال (الامبراطورية العثمانية والامبراطورية النمساوية-المجرية)، والهادفة بذلك لتوسعة الرقعة الجغرافية المتاحة لتسويق فائض انتاجها الضخم وجلب المزيد من المواد الخام والموارد من المستعمرات،على وقع مرارة الهزيمة تلك، تنامت المشاعر القومية المتطرفة لدى البورجوازية الصغيرة (الطبقة الوسطى) تحت وطأة الأزمة الاقتصادية الخانقة "أزمة الكساد العالمي" التي عصفت بالدول الامبريالية بدءا من الولايات المتحدة ومرورا بالدول الصناعية المتقدمة في أوروبا، ازداد على اثرها ضغط التناقضات الاقتصادية بشكل لا يحتمل على الطبقة الوسطى الأخذة في التهاوي والانسحاق، فتراكمت فيها الديون وأفلست الكثير من المعامل والمصانع وأوصدت أبوابها، ورمت بجيوش جرارة قوامها الملايين في مهب البطالة.

بدا الظرف الموضوعي ناضجا لثورة اشتراكية في البلاد، مع تزايد شعبية الحزب الشيوعي  وحزب الاشتراكيين الديموقراطيين، وتغلغلهم الناشط في أوساط نقابات العمال واتحاداتهم، لكن في المقابل هيّأ الظروف لأبناء الارستقراطية العسكرية والبورجوازية الصغرى التي أثقلت كاهلها الأزمة الاقتصادية، لان تشكّل حركة جماهيرية جبارة، يأسرها ويشفي غليلها زعيم ذو سلطة نفسية خارفة، وكاريزما خطابية مؤثرة مغرقة في عدائيتها للماركسية والأقليات الاثنية من يهود وغجر وسلاف، مشكّلة قوّة بشرية جمحاء يجري استعمالها كألة من أجل تحطيم الحركة العمالية، بكافة السبل والوسائل الارهابية والدموية، تجلّى ذلك في انتزاع الشرعية الانتخابية من النواب الشيوعيين بعد حصول الحزب النازي على ثلثي مقاعد البرلمان في انتخابات 1929، ثم الزّج بقادتهم وكوادرهم في معسكرات الاعتقال، تلاها فرض اجراءات أمنية تضيق عمل ونشاط النقابات العمالية.

يلاحظ من تجارب صعود الفاشية للحكم في الدول الصناعية المتقدّمة، التي تجاوزت مرحلة الثورات الصناعية، وأرست دول المواطنة التي تذيب بموجبها –نسبيا- الهويات الفرعية (الطائفية والعرقية)،  ونجحت في تحييد المؤسسة الدينية عن الحكم وفصلها عن الحكم وعلمنة المجتمع –الى حد كبير-، بأنها لا تكفي التحالف الطبقي المسيطر لأن يمارس أقصى شروط استغلال ممكنة بالطبقة العاملة في نطاق قطرها، بل تحتاج لتوسيع مجال استغلالها الحيوي، عبر غزو دول الجوار واستعمارها، واستعباد شعوبها بذريعة التفوق العرقي، وهو ما حصل بالفعل في نموذج هتلر الذي احتل نصف اوروبا في بداية الحرب وزج بملايي البشر في معسكرات اعتقال لم يشهد التاريخ ما يفوقها فظاعة وقسوة!
أما في دول الأطراف (العالم الثالث)، أشباه المستعمرات، فتختلف طبيعة القوى الفاشية جوهريا، من حيث طبيعة المجتمع ودرجة تطوره، اخذين بعين الاعتبار أن مجتمعات كهذه لم تتخطى الاقطاع نحو الثورات الصناعية وما تفرزه من ديموقراطيات ناضجة ضمن السياق الليبرالي للتعريف، اذ تسود فيها التقسيمات ما دون الوطنية، الطائفية والعشائرية والجهوية، ويختزل شكل الدولة ضمن جهاز سلطوي لا يفصل بين مؤسسات الحكم، بل ياخذ طابع حكم العائلة، ويحمي مصالح طبقة من وكلاء المصالح الغربية ، ويوفّر حصانة لسطوة احتكاراتها، مكرّسة نمط اقتصاديا مشوّه بنيويّا، اشبه ما يكون باقتصاد البازار الخاضع لفوضى العرض والطلب في السوق العالمية، والمثقل بديون الدّول المانحة التي لا تسد، تحتاج الامبريالية في مرحلة كهذه مع اشتداد أزماتها الاقتصادية وأخرها الأزمة التي انفجرت عام 2008، لاعادة انتاج هيمنتها على قاعدة الوكيل المتغيّر، الملتزم بالحفاظ على الثابت "التبعيّة"، وتوظيفه بشكل جديد مختلف شكليا عن انظمة المافيا المتهالكة التي انقضت فترة صلاحيتها، لاجهاض أي انتفاضة شعبية عفوية (الربيع العربي)، في حالة كهذه وجد الغرب الامبريالية ضالته في الأصولية الدينية وراس حربتها جماعة الاخوان المسلمين، وشركاءهم الأكثر رجعية "السلفيين"، اذ يوظف هؤلاء لتكريس ذات النمط الاقتصادي المشوّه ، متسترين خلف عباءة من القدسية، تحصّنهم لوهلة من النقد لدى شرائح واسعة من الجماهير التي استلب وعيها البسيط لصالح المؤسسة الدينية وأبواق دعايتها، لا سيما بعد ضرب حركة التحرر العربية ولجم اليسار في عقود مضت. تساعدهم في ذلك ارضية اقتصادية ضخمة في متناولهم قوامها مؤسسات الزكاة والعمل الخيري ومراكز تحفيظ القرأن، وبنوك ومستشفيات، تدر رؤوس أموال خليجية ضخمة، تمكّنهم من الصرف على اكبر كتلة اجتماعية من أبناء الطبقة الوسطى المعرضة للافقار الشديد بفعل سياسات التحرير الاقتصادي والخضوع لاملاءات المؤسسات المالية الكبرى.

تبرز ملامح الفاشية الدينية من حيث الخطاب الايدولوجي المحرّض على الأقليات الطائفية الاخرى، والمتشدّق بثقافة "الفرقة الناجية من النار"، في تماهي كامل مع أفكار الربع الخالي وأيدولوجيا النفط والغاز التي نجحت في غسل أدمغة كثير من شباب الجيل الحالي، عبر خلق عدو بديل يتمثل في الشيعة "الروافض"، عوضا أن يكون الصراع الحقيقي تناحري مع الكيان الصهيوني، وفي ذلك تحريف متعمد لبوصلة الصراع، كما لا تتوارى هذه القوى بغطاء من الخطاب التكفيري المنبعث من المساجد وقنوات التحريض الديني الخاضعة تحت سيطرتهم، عن التصفية الجسدية بحق معارضيهم وكل من يتهدّد سلطتهم الأخذة في التوسع المستمر، والهدف تقويض مؤسسات الدولة والقبض على اجهزة حكمها خطوة بخطوة، بدءا من القضاء وانتهاءات بالصحافة والاعلام.
 
الفاشية في شكلها الأكثر دموية "النازية"، او في مظهرها الوظيفي الأنعم "الاسلام السياسي" في الوطن العربي شبه المستعمر، تجسّد الثورة المضادة ، في عدائها لأي تغيير يمس علاقات الملكية السائدة والحيلولة دون أي ثورة تستبدل البنية الاقتصادية الاجتماعية القديمة بأخرى جديدة، في مسعى لتابيد السائد وادامة شروط الاستغلال، وايقاف ايقاع التقدّم الذي تسير عليه عجلة التاريخ.

الخميس، 2 أغسطس 2012

اعلام مُضلِّل ومصطلحات متهافتة


ألة لصنع الرأي العام، تجنح نحو المبالغة تارةً، والتحريض تارة أخرى، والتّعتيم على أحداث كثيرة، تَبرُع في ابتكار مفاهيم جوفاء وترديدها على نحو مستمر، والقصد مِنها تزييف وعي الجماهير واعادة برمجة عقولهم بما تقتضيه مصالح أصحاب النّفوذ والمصالح الكُبرى.
 هكذا كان الاعلام  وما زال، مستلب لصالح قوى الهيمنة والطّغم النّفطية الموالية لها، ومتنصّلٌ من أدنى معايير النّزاهة والشّفافيّة، وقد برز دوره مؤخّرا، لا في صناعة الحدث وانتاج "الرأي العام" فحسب، بل في اختلاق مفاهيم جوفاء، خاوية، تخلو من دلالات واضحة.
أذكر مِنها على سبيل المثال لا الحصر:

الدولة المدنيةّ
بِتنا نسمع بهذا المصطلح على مدار الأسبوع، من مختلف وسائل الاعلام، وكأنّ به أضحى وثناً للنخب الليبرالية ونخب اليسار الاصلاحي الناعم –يسار ما بعد الاتحاد السوفييتي- ، فهل هو مصطلح دقيق يحمل مدلولات طبقية واضحة لشكل الدّولة كبنية اجتماعية تَسِنُّ الأنظمة والتشريعات وتنظّم الحياة العامّة ؟ وهل هو مرتبط بسياق مادي تاريخي يراعي صيرورة تطوّر المجتعمات ؟ 
أم مجرّد لفظة يراد بها الاستعاضة عن مصطلح "العلمانيّة" ؟ أخذين بعين الاعتبار الاستهلاك المقيت لمصطلح "العلمانية" من قبل مشايخ الأصولية وحركات الاسلام السياسي وما اقتضاه من وصم "العلمانية" بالكفر وربطه بالالحاد والزندقة ؟
فان كان الأمر كذلك، فما الحاجة اذا لابتكار مساحيق تجميليّة تلمّع "الدّولة العلمانيّة" وتحصّنها من عواء التكفيريّين ؟
للوهلة الأولى، تبدو "الدّولة المدنيّة" نقيض لـ "الدّولة العسكريّة"، الدّولة التي تحتكر فيها المؤسسة العسكرية السّلطات السّياسيّة، التشريعية منها والتنفيذية، في منظومة من الاستبداد القهري لسلطتها يرضح، ومثال على ذلك الدكتاتوريات العسكرية القاسية التي فرضتها الولايات المتّحدة على شعوب أمريكا الجنوبيّة، للجم القوى اليساريّة الجذرية فيها والحيلولة دون استيلاءها على السّلطة في أوج فترة صعود اليسار في سبعينات القرن المنصرم.
أمّا وان دقّقنا في البنية الاقتصادية وعلاقات الانتاج القائمة في أيّة "دولة مدنيّة" بحسب تخيّلات النّخب التي يحبّب لها تكرار هذا المصطلح على نحو ممل، نجِد أنّها  أقرب ما تكون لدول مراكز رأس المال، التي تخطّت مرحلة الثورة الصناعيّة، وكل الأطر ما قبل الرأسمالية المتخلفة (الطائفية، العشائرية)! فهل اسقاط هذا النّموذج –ان كان هو المقصود- على الوضع العربي يراعي خصوصيتنا ؟ وهل يأخذ بعين الاعتبار نسق التطوّر الطّوعي غير الطبيعي الذي مرّت به شعوب الأمة العربية منذ معاهدات التقسيم الاستعمارية سايكس-بيكو والى الأن ؟
الجواب ينحصر في كلمتين لا ثالث لهما ، "قطعاً لا"!
اذا ما الدّاعي لأن تُصِرُّ تلك النّخب المهترئة على الدّخول في معمعة جدال لا يُسمِن ولا يغني بتناول ثُنائيّة "الدّولة المدنيّة، الدّولة الدينيّة"، بدلا من تُثار ثنائيّة تفوقها أهميّة ووضوحا، وتنطلق من فن قِراءة المُمكن، متجاوزة العام نحو الخاص، ألا وهي ثُنائيّة "الدّولة الوطنيّة ذات الاقتصاد الوطني المستقل، والدّولة التّابعة ذات نمط الانتاج الرّيعي"؟

الأنظمة الشّمولية: Totalitarian Regimes
في فترة الحرب الباردة وما بعدها، برعت وسائل الاعلام الغربيّة، الأمريكية تحديدا، في وصم الأنظمة الاشتراكية البائدة بالشمولية، وأعني هُنا الحكم المطلق للحزب الأوحد، واحتكاره للسلطة، وغلق الأبواب أمام أيّة تعدّدية سياسيّة تضمن تداول السّلطة بين أحزاب اليمين واليسار! الحديث هّنا لا يقصِد تبرئة التجارب الاشتراكية السابقة وتجاوز أخطاءها العديدة، وأسلوب حكمها البيروقراطي، بقدر ما هو تدقيق في هذا المصطلح الاجوف المروّج له أمريكيا.
حملة "الشّيطنة" الممنهجة هذه ترافقت مع ترويج الولايات المتّحدة لنفسها على أنّها واحة من الديموقراطية والحريّة، تصبو لان تصدّر تلك اليوتوبيا التي تنعم بها لبقيّة شعوب العالم، لتخلّصهم من ويلات الأيدولوجيات البُنيويّة وأنظمة حكمها المستبدّة!
ويبرز هُنا السّؤال التالي .. هل يُمكِن افراغ الدّولة كبنية اجتماعيّة-سياسية من سياقها  التاريخي كأداة لحكم طبقة معيّنة ؟
ان كانت الاستنتاجات المستقاة من دراسة حركة التّاريخ تفرِض علينا التسليم بالدولة كاداة لحكم طبقة، وجهاز سلطوي محتكر بأيدي طبقة أو حلف طبقي حاكم، يسيّر علاقات الانتاج بما تخدِم الطبقة السائدة ويُؤبِّدُ من مُلكِيَّتَها الخاصّة لوسائل الانتاج، فذلك سيعني بالضّرورة أنّها لن تتوارى عن فرم وقمع كل من تتناقض مصالحه مع مصالح الطّبقة الحاكمة.

ولو فرضنا جدلا أن النموذج الليبرالي الغربي للديموقراطية، هو الأمثل، فهل يُسمح لحزب ماركسي جذري مثلا الترشّح لانتخابات الرّئاسة أو البرلمان ؟ ليتخذ من ذلك منطلقا لحل علاقات الانتاج الرأسمالية وهدم البنية الاقتصادية القائمة نحو تغيير اشتراكي جذري؟
المتابع الحثيث للساحة السياسية في الولايات المتّحدة كنموذج للديموقراطية الليبرالية، المزيّفة، يجد أكثر من 120 حزب مرخّص بشتّى الأطياف الأيدولوجيّة التي تتدرّج من أقصى اليمين  لأقصى اليسار، في حين أن السّلطة محتكرة بيد حزبين لا ثالث لهما!
حزب جمهوري يمثّل جناحا نازيّا يظهر الوجه البربري للامبريالية الأمريكية ولا يخجل من شنِّ الحروب في دول العالم الثّالث لهدم بُنى الانتاج فيها، وتكريس هيمنة السّوق العالميّة على مواردها ومقدّراتها.
وحزب ديموقراطي يمثّل الجناح الليبرالي الاكثر نعومة في مواقفه الخارجيّة، في حين انّ كلاهما يحافظان على ذات النّهج الاقتصادي تقريبا، وعلى ذات السّياسات الخارجيّة الاستعمارية، الدّاعمة لكلب الحراسة المدلّل في الشرق الأوسط "اسرائيل".
وعلى هذا الأساس فانّ كسب ود لوبيّات الضّغط اليهودي داخل البيت الابيض يشكّل أولويّة لأي مرشّح رئاسي في الانتخابات الأمريكية!
فعن أيّة ديموقراطيّة  وتداول للسلطة نتحدّث؟!

ارادة الشّعب
 من النّادر أن تسمع  رايا سياسيّا على أحد الفضائيّات الاخباريّة يتناول أيّة حراك سياسي ، سواء من مواطن عادي أو من مسؤول غربي يتربّص طمعا في استثمار هذا الحراك لخدمة مصالحه، ولا تجد عبارة "ارادة الشّعب" على رأس لسانِه!
عبارة بشقّين لغويين مختلفين في المعنى، صارت "بسملة سياسيّة" للقاصي والدّاني يبتدىء بها حديثه، دون أن توضّح ماهيّة هذه الارادة وما الفئات الشّعبية التي يُبتغى تحقيق ارادتها!
فهل الشّعب كُلّه كمجموعة من البشر المقيمين على أرض معيّنة ويحملون جنسيّة دولتها هو الحامل الاجتماعي لأي مشروع سياسي ؟! مع كافّة تناحراتهم الطّبقية وتناقضاتهم الاثنيّة والطائفية –ان وُجدِت- ؟ أم أنّ المشروع الثوري يصبو دائما وأبدا لدراسة طبيعة الانتاج القائمة ومنطق التّناقض المادّي القائم في المجتمع، ويتم بناءا عليه تحديد الشّرائح الاجتماعيّة  التي ينبغي لهذا المشروع الثّوري أن يحمل تطلّعاتها الطّبقية ؟
وان فرضنا جدلا أن المقصود هّنا بـ "الشّعب"،  تحالف شعبي موسّع يحمل الفئات المتضرّرة والمفقرة بمختلف تدرّجاتها الطّبقية (عُمّال، فلاحين، صِغار الكسبة، حرفيّين وأصحاب المشاريع الصغيرة)، فهل ارادة هذا التحالف الشّعبي يتم فرضها في ظرف سِلمي أو اصلاحي ينعكس سياسيا على هيئة قانون انتخاب عصري كما يُردّد دائما، أم في ظرف ثوري تفرض فيها ارادتها وتطلّعاتها بالقوّة بعد أن تطيح بالحلف الطبقي الحاكم ؟
سُؤال برسم الاجابة!




الجمعة، 23 مارس 2012

استنتاجات فلسفية من وحي "نقد العقل المحض" لكانط


النّقد، سلاح الفكر، والطّريق الملكي الأسمى لتحرير العقل من براثن الموروث، ومن كونه ضرورة تاريخيّة للتطوّر وشرط رئيسي يضمن صيرورة تطوّر الفكر الانساني، انطلق الفيلسوف الألماني "ايمانويل كانط" في عمل دؤوب لانجاز مشروعه التنويري الضّخم، الذي جسّده في كتابه الشّهير "نقد العقل المحض" ، ليؤسّس منهجا نقديّا صارما، يستحثّ الخطى نحو رؤية معرفيّة جديدة، تحرّر المعرفة (الابستمولوجيا) من أطر نظريّة تلجمها، وضاربا بعرض الحائط هالة القدسيّة ودائرة المقدّس  في أن، لا سيّما أنّها أفلحت على مدى قرون طويلة في تغييب الحس النّقدي والعقل.

فن النّقد، وقدرة مذهلة على التفكيك والتحليل، والتّرابط المحكم والوثيق بين مفهوماته وأفكاره المتسلسلة، سمات تميّز بها عبقري اسمه كانط، ليرسي على اثرها قواعد مشروع حداثي هائل عالج جزأ كبيرا من اشكالات قصور الذّهن البشري، واتّكاليّته المقيتة، سيرا على مبدأ "دع غيرك يفكّر بالنّيابة عنك".
ولنقل للدقّة أن كانط بعقله الفلسفي الجبّار، أتاح لنا عبر موسوعته الفلسفية "نقد العقل المحض" وسيلة لاعادة نظر مستمرّة في المفاهيم الفلسفية، ليست على نحو علاقة علّة بمعلول فحسب، بل تملّك كامل للمفاهيم التحليليّة، التي تفصل بين العام والخاص، وتستبق التّجربة بأحكام قبليّة، فالمعرفة من وجهة النّظر الكانطية تبدأ عند التّجربة، ولا تنشأ عنها كما زعم الفلاسفة التجريبيون أتباع هيوم، وأعني بالتجربة الحادثة التي تستفزّ حدس الفرد ومدركاته الحسيّة، وتدفعه قُدُما نحو الابحار في عالم المعرفة وطرائقه الشّائكة والوعرة.
العقل المحض عند كانط هو العقل المتعالي عن كلّ تجربة حسيّة، أحكامه قبليّة، وهي ضروريّة لا مفرّ منها لفهم كل تجربة، لا كما زعم هيوم، ولولاها لما عقلنا شيئا سواء أكان تصوّرا أو تصديقا، وصيغة ذلك الاسهاب الفلسفي تبلورت عند كانط بتشييده برزخا فاصلا بين الأشياء في ذاتها، وبين ما نُدركه ونعقله، وللمادّة عينيّة خارجيّة مستقلّة عن ادراكنا، ونحن لا نُدركها الّا على النحو التي هي عليه، في صورتها العيانيّة، وفي هذا السّياق يبرز السّؤال التّالي: اذا كيف تكون الأشياء العيانيّة في ذاتها قبل أن نُدركها ؟
هُنا برزت عبقريّة كانط في استنباطه لمفاهيم قوالبيّة، ليست على الاطلاق وبأي حال من الأحوال موضوعات لادراكنا، بل قوالب فكريّة في العقل البشري، تتأطّر ضمنها المّدركات الحسيّة، ووفق هذه الكيفيّة تأخذ الأشياء الماديّة معنى لها ضمن عقولنا، وتلك القوالب الفكرية تشمل مفاهيما على شاكلة (الزّمان، المكان، الضّرورة، العليّة، والعنصر)، جميعها لا تُدرك في ذاتها، بل انّ التّعامل معها دون الأخذ بعين الاعتبار خصوصيّتها الماهويّة، يوقع صاحبها في تناقضات لا حلّ لها، وهو الفخ الذي نصّبته الميتافيزيقا وفلاسفتها لأنفسهم.

تلك المفارقة شكّلت عقبة للميتافيزيقا نظرا لأنّها تعاملت مع تلك المفاهيم القوالبيّة على أنها موضوعات للادراك ، وليست كقوالب فكريّة تتموضع فيها مدركات الحس (مدخلات العقل)..
فأسئلة على شاكلة "هل هناك حدود لهذا الكون ؟ وهل الرّوح خالدة ؟" واعتماد قانون العليّة (السّببيّة) لاثبات وجود الاله، مفارقات توقع أصحابها في فخ التّهافت، لأنّها تُعامل الزمان والمكان والضرورة على أنّها موضوعات للادراك، في حين أنّها ليست كذلك على الاطلاق. ومن هذا المنطلق تحديدا أيقن كانط أن مسائل الميتافيزيقا والايمان لا يُمكن اثباتها عبر العقل النّظري (ألمحض) لأنّها تُفضي الى مفارقات وتناقضات، وقابليّة ادراكها تنحصر ضمن حدود العقل الأخلاقي (الاجتماعي)، لا النّظري..

وكيف لقانون العليّة (السّببية) أن يحجر مقعده في العقل النّظري المحض ؟ والعليّة مصلح لا يدّرك في ذاته وليس موضوعا للادراك بالأساس ؟ ناهيك عن أن تسلسله وصولا لعلّة العلل الكُبرى عمليّة غير عقلانيّة أصلا  ؟
......

لا شكّ ان كانط قصم ظهر الميتافيزيقا ووجّه لها ضربة موجعة في عمله الفلسفي الجبّار هذا، وفي المقابل زوّد روّادها من رجال دين وعلماء لاهوت بأدوات نقديّة، علّهم يُعقلنون خطابهم بما يتوافق مع مُعطيات الحداثة والتقدّم

الاسلام السّياسي .. الثّورة المُضادّة في أبهى تَجَلِّياتِها

مع صعود التيّار الاسلاموي في كلّ من مصر وتونس، عقب الانتفاضات الشّعبية التي أطاحت بالأسر الفاسدة "بن علي ومبارك"، كثرت الأحاديث والنقاشات حول قُدرة هذا التيّار بشقّه الرئيسي (الاخواني) على مواجهة التحدّيات المستقبليّة وعن مدى فاعليّة برامجه على حل المشاكل الاجتماعيّة والاقتصادية..

الاسلاميّون ممثّلين بجناحهم الاخواني خاطبوا الجمهور العربي بتبجّح ينم عن نشوة الانتصار الكبير الذي أفرز لنا مجالس تشريعية تزهو بأصحاب اللّحى، مبرّرين انتصارهم الساحق هذا بالواقع الموضوعي الذي يعكس ما يزعموا أنّه "خصوصيّة الاسلام" وتمسّك الجمهور العربي بالهويّة الاسلامية التي تعبّر عن أصالة الحضارة الاسلاميّة التي سادت لقرون.

القراءة النّقدية للاسلام السّياسي تتمحور حول عدّة محاور، وهذا ما سأحاول سرده في مقالي المتواضع هذا..

الأسباب التاريخية:

نشأة الاسلام السّياسي ورأس حربته جماعة الاخوان المسلمين، بدأت كحركة دعويّة في مصر وتحديدا في الاسماعيليّة، المدينة المحاذية لقناة السّويس المستلبة لصالح الاستعمار البريطاني، بدأت كحركة دعويّة قادها الامام "حسن البنّا"، سرعان ما ساندت الجماعة الملك الفاروق ووالته ضد ثورة الضبّاط الأحرار التي قادها الزّعيم العربي "جمال عبد النّاصر" ، وارتمت في حضن الرّجعية النّفطية، وموّلت من قبل أل سعود في محاولة لقلب نظام الحكم الناصري.وقابلها النظام الناصري بحملة قمع وتنكيل بهم كان ضحيّتها أحد اكبر قياداتهم "سيّد قُطُب" الذي لا زال الاسلاميّون يصوّرونه بالبطل، في حين أنّه لم يكن أكثر من عواء تكفيري تقمّص عباءة المفكّر الاسلامي لعقود، وبقيت هذه الحلّة البهيّة ملازمة له بعد موته.ومع رحيل عبد النّاصر وتشييعه بالملايين في اكبر جنازة عرفها التاريخ العربي، تمكّن الجناح اليميني المستتر  المتعاون مع الامريكان والممثّل في أنور السّادات (نائب عبد الناصر) في استلام الحكم، وقاد ثورة مضادّة ضد كل مكتسبات العهد الناصري، تزامن معها خروج التيّار الاسلامي من وكره، وضرب كل الأحزاب والحركات اليساريّة والقوميّة، تلا ذلك توقيع معاهدة السّلام "كامب ديفيد" مع الكيان الصهيوني بمباركة اخوانيّة، سرعان ما انتهت فصول مسرحيّتها الهزليّة باغتيال السّادات على يد أحد الخلايا الاخوانية في الجيش المصري، واعتلاء نائبه "محمّد حسني مبارك" لسدّة الحكم.

في الأردن، حُلَّت حكومة "سليمان النابلسي" اليسارية في الخمسينات المنتخبة شعبيّا وفقا لدستور 52، كخطوة اجبارية اقتضاها الانخراط في حلف أيزنهاور، الخطّة الأمريكيّة التي أعلنها الرئيس الأمريكي أنذاك أيزنهاور للحيلولة دون وصول المد الشيوعي القادم من الاتحاد السوفييتي للشرق الأوسط الخارج حديثا من وطاة الاستعمار البريطاني.نجم عن ذلك حملة اعتقال وتنكيل ممنهجة ضد الشيوعيين في الأردن واعلان الأحكام العرفية فيما سمّي بحملة "مناهضة الشيوعيّة في الأردن"، وراح ضحيّتها أيضا القوميين الناصريين والبعثيين، في المقابل تمتّع  الاخوان المسلمين بفترة من الحكم الرّغيد نالوا فيها مناصب عليا في أجهزة الدّولة والتعليم استمرّ هذا الوضع لأربعة عقود الى ان تفجّرت انتفاضة نيسان في الجنوب ضد الحكومات الفاسدة المتعاقبة.

ومع تفجّر انتفاضة تونس ومصر، فيما سمّي بالرّبيع العربي، كانت امارة الغاز "قطر" تتصدّر حملة الترويج للاسلام السياسي، فانهالت أموال البترو-دولار على جماعات الاسلام السياسي، كبديل ملائم لأمريكا يضمن صيرورة سيطرتها على الموارد والمقدّرات العربيّة، والحفاظ على التبعيّة الاقتصاديّة وما تستوجبه من تبعيّة سياسية لقوى السّوق العالميّة، وأعني به الغرب الامبريالي ورأس حربته أمريكا.كُلّ ذلك جعل من وصول الاسلاميين للحكم حتميّة في الأقطار العربيّة التي أطيح فيها برأس النّظام لا بجسده ولا ببنيته، مِمّا يفرض على قوى اليسار أن تتعامل مع الحقبة الاسلامية القادمة بموضوعية، لا أن تجنح نحو الطوباويّة والمثاليّة معوّلة على فشل هذه الجماعات في ايجاد حل جذري للمشاكل الاقتصادية-الاجتماعية المتفاقم، وكيف لها ذلك ؟ وهي مطيّة الثّورة المضادة تاريخيا في خدمة الامبريالية الأمريكية.

الخطاب الأيدولوجي:

يتسلّح الاسلاميّون بأفيون فكري رخيص، ويعبّىء بواسطته شرائج اجتماعيّة واسعة عبر تصوير الصراع السياسي الدائر بين النّخب السياسيّة على أنّه صراع ديني (ثقافوي) في المقام الأوّل، بين دينيّين وعلمانيّين، خطاب رجعي بحت يستهلم أثر القرون الوسطى في استمالة الغرائز والعواطف الدينيّة ضد فلاسفة عصر التنوير في أوروبا الذين تصدّوا لهيمنة الكهنوت الديني (الكنيسة) ونمط الانتاج الاقطاعي الذي فرضته لقرون في أوروبا.تكريس سلوك القطيع وغرسه في الوعي الجمعي للجماهير، يعكس جوهر الخطاب الديني للاسلاميين المبني على "التكفير المبطَّن"، الذي من شأنه أن يخلق تربة خصبة لتزييف وعي الجماهير لا سيّما الغلابى والأميّين، على أن تُتوّج تلك المساعي الحثيثة بالتغطية على كل جوانب الصّراع الطبقي في المجتمع، وكل دعوى لضرب الفِئات الكومبرادوريّة المرتهنة بامرة الغرب.وفي ذات السّياق تظهر بوادر خطاب ديني يسعى لمأسسة الخطاب الطّائفي، عبر التحريض الدّعوي على الشّيعة "الرّوافض"، اللّعب على وتر ثقافة "الفرقة الوحيدة النّاجية من النّار"، وما تقتضيه من دعاوي (سلفيّة) بالذّات لهدم كنائس الأقباط في مصر، مِمّا يُنذِر باشعال احتراب طائفي في مصر سيدفع ثمنه الابرياء دونما شك

البرنامج السّياسي-الاقتصادي:

يحث الاسلاميين على ضرورة اعادة الاعتبار للعمل الخيري وفرض الزّكاة لتوفير تمويل مجتمعي دائم ومستمر بحسب زعمهم، وفي هذا السّياق تبرز تساؤلات عِدّة فيما لو اعتبر ذلك حلّاً سِحريًّا لاقتصادات مشوّهة بُنيوِيًّا قائمة على خدمة السّوق العالميّة، تفتقد لأي قاعدة انتاجيّة سليمة، والقطاعات الانتاجيّة فيها -ان وُجِدت- مستلبة لصالح قُوى العرض والطّلب في الأسواق العالميّة!

والمتابع الحثيث لبرنامج حزب "الحريّة والعدالة" الجناح السّياسي لجماعة الاخوان المسلمين في مصر، يجدَهُ يدعم نهج الخصخصة ويحافظ على حق الملكيّة (المقدّس)، بما يُرضي شرع الله طبعا بحسب ادّعائهم، ويتجلّى  ذلك في تصريح "حسن مالك" القيادي في جماعة الاخوان المسلمين والملياردير المصري الذي يُرحِّب بسياسات وزير التجارة والصناعة السابق في عهد مبارك، ويدعوها بِــ "السياسات الصائبة التي جذبت الاستثمارات الأجنبيّة" !!

لا يتطرّق الاسلاميين أبدا لذكر سياسات فعّالة تدرس بشكل جدّي أليّة للنهوض بالصناعات الصّغرى والحرفيّة، وجدير بالذِّكر أن صناعات كهذه ساهمت في صعود اقتصادات عملاقة مثل الصّين عقب ثورة ماو تسي تونغ الشّيوعيّة.على غرار كل ذلك يتعهّد الاخوان في برنامجهم السّياسي على دعم لا متناهي للاشتثمارات الأجنبيّة والخليجية، علاوة على اعفائِها من الضّريبة بدلا من قوننة "الضريبة التّصاعديّة" على المستثمرين !

لا يُمكِن -بادىء ذي بِدء- الحديث عن أي حل جوهري لاقتصاد مُنهار كنتيجة لسياسات النيوليبرالية والخصخة دون التطرّق لعلائق الملكيّة وفك التّبعيّة عن مؤسسات النّهب الامبريالية (صندوق النّقد الدّولي والبنك الدّولي)، والتي أفقرت قطاعات شعبيّة واسعة، بلغت أخر أرقامها، احصائيّة تتحدّث عن 40% من الشّعب المصري تحت خط الفقر (يعيش على 1 دولار يوميّا) والواقع أن قُوى الاسلام السّياسي المتصاعدة تُجذّر من التبعيّة الاقتصاديّة للغرب وأمريكا، وتستوجب بالضرورة التّبعيّة السياسية لها، وتقتضي بالتّالي التصريح العلني من الاسلاميين في مصر بالحفاظ على معاهدة السّلام مع الكيان الصهيوني (كامب ديفيد) ، وأخر حلقات هذا المسرحيّة الهزليّة تطبيع علني للغنّوشي زعيم النّهضة (اخوان في تونس) مع الصهاينة في مؤتمر دافوس قبل أشهر معدودة !

التحليل الطّبقي للشرائح التي يستقطبها الاخوان:

الاخوان المسلمين يُعبِؤون شرائح اجتماعيّة واسعة في الدّول المطبّعة مع الكيان الصهيوني، تزامنا مع تفكّك المعسكر الاشتراكي السّابق (الاتحاد السوفييتي)، والانخراط في العولمة الاقتصاديّة والسوق الرأسماي المفتوح، رُمّانة تلك الشّرائح الاجتماعية، طبقة الموظّفين التي شهدت تضخّما كبيرا وتُعاني من بطالة مقنّعة لا سِيّما في مؤسّسات القطاع العام (المفّتّت)، فتلك الطّبقة سحقها الاستهلاك تماما وغلب عليها الطابع اللانتاجي بعدما كانت تحمل تطلّعات تقدّمية (ناصرية) في عهد عبد النّاصر، كنتيجة لسياسات عهد السّادات-مبارك الكارثي وتصاعد الاسلام السّياسي من جحوره، مستقطبا تلك الطبّقات الوسطى ومستغِلّا ضعف انتاجيّتها، فانجرّت نحو فقه الحيض والنِّفاس  ومشايخ النّفط.

كما أنَّ الأموال النِّفطية القادمة من الخليج واستثماراتها الواسعة ساهمت بشكل رئيسي في خلق فوضى الانتاج (فوضى العرض والطّلب)، وما نجم عنها من تخزين للسلعة بغرض المضاربة عليها وعلى سعرِها، والضحيّة هو الفلّاح المصري الذي غرق في وحل البؤس، وهجر الرّيف نحو المدن بحثا عن عمل أكثر جدوى، مِمّا هيَّأ لمولد طبقة من البورجوازيّة الريفيّة المتمدِّنة حديثا، وشريحة اجتماعية جديدة في متناول الاسلام السّياسي.

أمّا العامل البروليتاري الكادح في القطاعات الانتاجية المحدودة جِدّا والموظّفة لصالح قوى السّوق العالميّة المهيمنة، وأعني هُنا قطاعات الاسمنت وصناعة السَّماد على وجه الخصوص، فهو لا يَثِق بأي حزب سياسي على الاطلاق، ما لم يُفسِدُه المال السياسي (الاخواني) الممّول قطريا وسعوديا !

الاسلام السّياسي والمرأة:

تُشكِّل قضيّة المرأة هاجسا لدى قوى الاسلام السياسي في المواجهات الاعلامية ضد العلمانيّين، يردّوا عليها بدعاوي زائفة أن المرأة مكرّمة في الاسلام، وكأنّهم يمثّلوا الدّين الاسلامي ووكلاءه الحصريّين!  

في حين أن المؤشّرات لا تصُبَ لصالحهم بتاتا، بل انّ قضيّة المرأة يستغِلّها الاسلاميين لاختزال مشاكل المجتمع في قضيّة لباسِها، وجدليّة "النقاب والمايوه"، وغيرها من الجدالات السفسطائية التي يُروّجوا لها اعلاميا عن منع الاختلاط، وفرض الحجاب، بلغت أوجهها في تصريح للكتلة السلفيّة في البرلمان المصري اختزلت حل مُشكِلة البطالة المتفاقِمة في مصر باعادة النّساء العاملات في القطاع العام والخاص لمنازِلِهِنَّ كي يقوموا بدورِهِنَّ التّاريخي في الانجاب والرِّضاعة والتّربية !!!!!

المراة "العبدة" هي المراة التي يروِج لها الاسلاميين فعليا، مقابل المرأة (السّلعة) المروّج لها غربيّا، وبين هذه وتلك تُصبِح المرأة وقضيّتها العادلة ورقة بأيدي الاسلاميين والعِلمانيين (الليبراليين السطحيين) كي يُتاجِر كل منهما  بها في ساحات الرأي العام، عساه بذلك ينال مزيدا من المتكسبات السّياسية !