الخميس، 2 أغسطس 2012

اعلام مُضلِّل ومصطلحات متهافتة


ألة لصنع الرأي العام، تجنح نحو المبالغة تارةً، والتحريض تارة أخرى، والتّعتيم على أحداث كثيرة، تَبرُع في ابتكار مفاهيم جوفاء وترديدها على نحو مستمر، والقصد مِنها تزييف وعي الجماهير واعادة برمجة عقولهم بما تقتضيه مصالح أصحاب النّفوذ والمصالح الكُبرى.
 هكذا كان الاعلام  وما زال، مستلب لصالح قوى الهيمنة والطّغم النّفطية الموالية لها، ومتنصّلٌ من أدنى معايير النّزاهة والشّفافيّة، وقد برز دوره مؤخّرا، لا في صناعة الحدث وانتاج "الرأي العام" فحسب، بل في اختلاق مفاهيم جوفاء، خاوية، تخلو من دلالات واضحة.
أذكر مِنها على سبيل المثال لا الحصر:

الدولة المدنيةّ
بِتنا نسمع بهذا المصطلح على مدار الأسبوع، من مختلف وسائل الاعلام، وكأنّ به أضحى وثناً للنخب الليبرالية ونخب اليسار الاصلاحي الناعم –يسار ما بعد الاتحاد السوفييتي- ، فهل هو مصطلح دقيق يحمل مدلولات طبقية واضحة لشكل الدّولة كبنية اجتماعية تَسِنُّ الأنظمة والتشريعات وتنظّم الحياة العامّة ؟ وهل هو مرتبط بسياق مادي تاريخي يراعي صيرورة تطوّر المجتعمات ؟ 
أم مجرّد لفظة يراد بها الاستعاضة عن مصطلح "العلمانيّة" ؟ أخذين بعين الاعتبار الاستهلاك المقيت لمصطلح "العلمانية" من قبل مشايخ الأصولية وحركات الاسلام السياسي وما اقتضاه من وصم "العلمانية" بالكفر وربطه بالالحاد والزندقة ؟
فان كان الأمر كذلك، فما الحاجة اذا لابتكار مساحيق تجميليّة تلمّع "الدّولة العلمانيّة" وتحصّنها من عواء التكفيريّين ؟
للوهلة الأولى، تبدو "الدّولة المدنيّة" نقيض لـ "الدّولة العسكريّة"، الدّولة التي تحتكر فيها المؤسسة العسكرية السّلطات السّياسيّة، التشريعية منها والتنفيذية، في منظومة من الاستبداد القهري لسلطتها يرضح، ومثال على ذلك الدكتاتوريات العسكرية القاسية التي فرضتها الولايات المتّحدة على شعوب أمريكا الجنوبيّة، للجم القوى اليساريّة الجذرية فيها والحيلولة دون استيلاءها على السّلطة في أوج فترة صعود اليسار في سبعينات القرن المنصرم.
أمّا وان دقّقنا في البنية الاقتصادية وعلاقات الانتاج القائمة في أيّة "دولة مدنيّة" بحسب تخيّلات النّخب التي يحبّب لها تكرار هذا المصطلح على نحو ممل، نجِد أنّها  أقرب ما تكون لدول مراكز رأس المال، التي تخطّت مرحلة الثورة الصناعيّة، وكل الأطر ما قبل الرأسمالية المتخلفة (الطائفية، العشائرية)! فهل اسقاط هذا النّموذج –ان كان هو المقصود- على الوضع العربي يراعي خصوصيتنا ؟ وهل يأخذ بعين الاعتبار نسق التطوّر الطّوعي غير الطبيعي الذي مرّت به شعوب الأمة العربية منذ معاهدات التقسيم الاستعمارية سايكس-بيكو والى الأن ؟
الجواب ينحصر في كلمتين لا ثالث لهما ، "قطعاً لا"!
اذا ما الدّاعي لأن تُصِرُّ تلك النّخب المهترئة على الدّخول في معمعة جدال لا يُسمِن ولا يغني بتناول ثُنائيّة "الدّولة المدنيّة، الدّولة الدينيّة"، بدلا من تُثار ثنائيّة تفوقها أهميّة ووضوحا، وتنطلق من فن قِراءة المُمكن، متجاوزة العام نحو الخاص، ألا وهي ثُنائيّة "الدّولة الوطنيّة ذات الاقتصاد الوطني المستقل، والدّولة التّابعة ذات نمط الانتاج الرّيعي"؟

الأنظمة الشّمولية: Totalitarian Regimes
في فترة الحرب الباردة وما بعدها، برعت وسائل الاعلام الغربيّة، الأمريكية تحديدا، في وصم الأنظمة الاشتراكية البائدة بالشمولية، وأعني هُنا الحكم المطلق للحزب الأوحد، واحتكاره للسلطة، وغلق الأبواب أمام أيّة تعدّدية سياسيّة تضمن تداول السّلطة بين أحزاب اليمين واليسار! الحديث هّنا لا يقصِد تبرئة التجارب الاشتراكية السابقة وتجاوز أخطاءها العديدة، وأسلوب حكمها البيروقراطي، بقدر ما هو تدقيق في هذا المصطلح الاجوف المروّج له أمريكيا.
حملة "الشّيطنة" الممنهجة هذه ترافقت مع ترويج الولايات المتّحدة لنفسها على أنّها واحة من الديموقراطية والحريّة، تصبو لان تصدّر تلك اليوتوبيا التي تنعم بها لبقيّة شعوب العالم، لتخلّصهم من ويلات الأيدولوجيات البُنيويّة وأنظمة حكمها المستبدّة!
ويبرز هُنا السّؤال التالي .. هل يُمكِن افراغ الدّولة كبنية اجتماعيّة-سياسية من سياقها  التاريخي كأداة لحكم طبقة معيّنة ؟
ان كانت الاستنتاجات المستقاة من دراسة حركة التّاريخ تفرِض علينا التسليم بالدولة كاداة لحكم طبقة، وجهاز سلطوي محتكر بأيدي طبقة أو حلف طبقي حاكم، يسيّر علاقات الانتاج بما تخدِم الطبقة السائدة ويُؤبِّدُ من مُلكِيَّتَها الخاصّة لوسائل الانتاج، فذلك سيعني بالضّرورة أنّها لن تتوارى عن فرم وقمع كل من تتناقض مصالحه مع مصالح الطّبقة الحاكمة.

ولو فرضنا جدلا أن النموذج الليبرالي الغربي للديموقراطية، هو الأمثل، فهل يُسمح لحزب ماركسي جذري مثلا الترشّح لانتخابات الرّئاسة أو البرلمان ؟ ليتخذ من ذلك منطلقا لحل علاقات الانتاج الرأسمالية وهدم البنية الاقتصادية القائمة نحو تغيير اشتراكي جذري؟
المتابع الحثيث للساحة السياسية في الولايات المتّحدة كنموذج للديموقراطية الليبرالية، المزيّفة، يجد أكثر من 120 حزب مرخّص بشتّى الأطياف الأيدولوجيّة التي تتدرّج من أقصى اليمين  لأقصى اليسار، في حين أن السّلطة محتكرة بيد حزبين لا ثالث لهما!
حزب جمهوري يمثّل جناحا نازيّا يظهر الوجه البربري للامبريالية الأمريكية ولا يخجل من شنِّ الحروب في دول العالم الثّالث لهدم بُنى الانتاج فيها، وتكريس هيمنة السّوق العالميّة على مواردها ومقدّراتها.
وحزب ديموقراطي يمثّل الجناح الليبرالي الاكثر نعومة في مواقفه الخارجيّة، في حين انّ كلاهما يحافظان على ذات النّهج الاقتصادي تقريبا، وعلى ذات السّياسات الخارجيّة الاستعمارية، الدّاعمة لكلب الحراسة المدلّل في الشرق الأوسط "اسرائيل".
وعلى هذا الأساس فانّ كسب ود لوبيّات الضّغط اليهودي داخل البيت الابيض يشكّل أولويّة لأي مرشّح رئاسي في الانتخابات الأمريكية!
فعن أيّة ديموقراطيّة  وتداول للسلطة نتحدّث؟!

ارادة الشّعب
 من النّادر أن تسمع  رايا سياسيّا على أحد الفضائيّات الاخباريّة يتناول أيّة حراك سياسي ، سواء من مواطن عادي أو من مسؤول غربي يتربّص طمعا في استثمار هذا الحراك لخدمة مصالحه، ولا تجد عبارة "ارادة الشّعب" على رأس لسانِه!
عبارة بشقّين لغويين مختلفين في المعنى، صارت "بسملة سياسيّة" للقاصي والدّاني يبتدىء بها حديثه، دون أن توضّح ماهيّة هذه الارادة وما الفئات الشّعبية التي يُبتغى تحقيق ارادتها!
فهل الشّعب كُلّه كمجموعة من البشر المقيمين على أرض معيّنة ويحملون جنسيّة دولتها هو الحامل الاجتماعي لأي مشروع سياسي ؟! مع كافّة تناحراتهم الطّبقية وتناقضاتهم الاثنيّة والطائفية –ان وُجدِت- ؟ أم أنّ المشروع الثوري يصبو دائما وأبدا لدراسة طبيعة الانتاج القائمة ومنطق التّناقض المادّي القائم في المجتمع، ويتم بناءا عليه تحديد الشّرائح الاجتماعيّة  التي ينبغي لهذا المشروع الثّوري أن يحمل تطلّعاتها الطّبقية ؟
وان فرضنا جدلا أن المقصود هّنا بـ "الشّعب"،  تحالف شعبي موسّع يحمل الفئات المتضرّرة والمفقرة بمختلف تدرّجاتها الطّبقية (عُمّال، فلاحين، صِغار الكسبة، حرفيّين وأصحاب المشاريع الصغيرة)، فهل ارادة هذا التحالف الشّعبي يتم فرضها في ظرف سِلمي أو اصلاحي ينعكس سياسيا على هيئة قانون انتخاب عصري كما يُردّد دائما، أم في ظرف ثوري تفرض فيها ارادتها وتطلّعاتها بالقوّة بعد أن تطيح بالحلف الطبقي الحاكم ؟
سُؤال برسم الاجابة!




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق